كتب
عبد الله الحامدي
مجلة الدوحة
عالم عجائبي وغرائبي، ذلك الذي يدخلنا إليه الكاتب الصحافي المصري أحمد إسماعيل في روايته الجديدة “عزبة جورجي”، الصادرة حديثاً عن “الدار” للنشر، في 137 صفحة من القطع المتوسط.
قارئ الرواية يكاد ينفصل عن محيطه وهو يغوص في تفاصيل العزبة وروائح زرائبها وطبائع شخصياتها الخارجة على كل منطق، يحكيها إسماعيل بلغة بدائية وكأنّه مضطر للحكي، من أجل نقل واقع الحال بأمانة، دون أي تدخل جمالي أو بلاغي منه. وهو ما أكسب سرده مصداقية عالية. فلا يعرف القارئ إن كانت “عزبة جورجي”، المتاخمة لمدينة الإسكندرية (عروس البحر وحاضرة المدن القديمة)، موجودة بهذه الصورة فعلاً، أم أنها متخيلة؟
عالم الرواية
ما يجعل هذا السؤال مبرراً هو كمّ التفاصيل الهائلة التي يمررها الكاتب عبر هذا الحي العشوائي المزدحم بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ولعل أكثر ما يسترعي الانتباه، رغم تلك البراعة في النقل، عدم اكتراث الراوي بإحداثيات الزمان والمكان، والتي يبني عليها سرده المتقشف، مسلطاً الضوء بشكل رئيسي على الشخصيات، من الخارج ومن الداخل. وهي شخصيات كثيرة وقد لا يربط فيما بينها رابط سوى “لعنة” الانتماء إلى هذا “العالم السفلي” المخيف.
الراوي لا يتردد في استكمال عقد الشخصيات التي تكمل بدورها عقد الرواية، حيث تتحول كل شخصية إلى فصل مستقل، وعليها مجتمعة يقوم المعمار الروائي كله:
- الخواجة جورجي، الذي اشترى الأرض التي بنيت عليها العزبة في عهد والي مصر عباس الأول، تشجيعاً للاستثمار.
- الحاج محمود القبطي، المتأرجح بين إسلامه ومسيحيته، وبين بخله وكرمه، وبين دناءته وترفعه.
- السمرا أم كوبة وليحة وكبارة، وغيرهم.
بين الواقع والمتخيل
جاء في تقديم الناشر للرواية بأنها: “حواديت: مجاذيب وأشقياء وأناس مسكونون بأرواح السلف، وصبية أكثر تهوراً من العفاريت، ونساء مسترجلات أقرب إلى المسوخ”.
كل هذا يجري في ركن قصي ومهمل، لا يلتفت إليه أحد، يئن من العشوائية وعدم التخطيط، هناك في الإسكندرية. الكاتب يسرد الوقائع المتلاحقة بسرعة، حتى أن اللغة تبدو لاهثة وراء الأحداث.
الشخصيات تعيش في حي مهمش ومهمل وناءٍ، ما يمثل بيئة مثالية لتفشي الجنون والقهر والفقر والشذوذ بكل أنواعه، باستثناء من أوتي حظاً عظيماً.
أسلوب السرد
وأحمد إسماعيل يصف شخصياته غير السويّة، ويجري الحوارات البذيئة على ألسنتها. اللغة المستخدمة تقع بين الفصيحة والعامية وتعج بالجمل المنقوصة، إلى حد اختصار أفعال الكينونة وأسماء الفضلة، وأحياناً حروف العطف والجر.
الرواية تستعرض “عزبة جورجي” كمنجم حكايات خرج منه الكاتب بأشياء تثير الحيرة والدهشة، وأحداث تدعو إلى الذهول، وشخصيات كثيرة معجونة بتراب مصر.
لا تعليق